نشأة وتطور الحركة الشعبية لتحرير السودان:
بدأ تكوين الحركة الشعبية في 16 مايو 1983م بمدينة بور بتمرد الكتيبة 105 بقيادة الرائد كاربينو كوانين بول.
ثم تلى ذلك تمرد الكتيبة 104 بقيادة الرائد وليم نون بانج فى أيود والبيبور. وكان ذلك نتيجة لخرق الحكومة المركزية لإتفاقية أديس أبابا للسلام ولتراكم المرارات بسبب المظالم التي كانت تلحق بشعب جنوب السودان والتى وضحها المنفستو الأول الصادر في يوليو عام 1983م.
كانت هناك جماعات قد بدأت المقاومة قبل الكتبتين 105، 104، مثل حركة العمل الوطني NAM، حركة التحرير الشامل لجنوب السودان MTLSS، اللجنة المركزية للإستوائية ECC، ومجلس وحدة جنوب السودان. لقد اجتمعت هذه القوى وأسست الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM/A.
بعد تأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، تم تكوين القيادة السياسية العسكرية في عام 1984م.
وكانت مكونة من القادة:
1ـ د. جون قرنق دي مابيور ـ رئيس هيئة القيادة.
2- كاربينو كوانين بول ـ نائب رئيس هيئة الأركان
3- وليم نون بانج ـ قائد هيئة أركان الجيش.
4- سلفا كير ميارديت ـ نائب قائد هيئة الأركان لشئون الأمن والعمليات.
5- أروك طون أروك ـ نائب هيئة الأركان للإمداد والإدارة.
كان هؤلاء بالإضافة لقيادات المجموعات المذكورة أعلاه هم القادة المؤسسين للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان.
تبع تأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان تدفق المنضمين للحركة الشعبية من مختلف القبائل والأقاليم السودانية.
وقد كان من بينهم شرائح المعلمين، المزارعين، الرعاة، الطلاب، العمال، النساء، الشباب، والمثقفين وأعداد من جنود وضباط القوات النظامية. جدير بالذكر أن الرفاق من جبال النوبة كانوا قد انضموا للحركة الشعبية بقيادة يوسف كوة مكي وتنظيم الكمولو في نوفمبر 1984م.
وتبع ذلك انضمام الفونج للحركة بقيادة مالك عقار في مايو 1985م.
كما أن هناك عدد من الشخصيات الوطنية من شمال السودان الذين انضموا للحركة الشعبية.
من أبرز هذه الشخصيات الدكتور منصور خالد ومحمد إبراهيم خليل، الذين انضمنا للحركة في عام 1984م.
وفي عام 1987م انضم إلى الحركة الشعبية الرفاق ياسر سعيد عرمان، محمد سعيد بازرعة، محمد أحمد الحبوب، وياسر جعفر. كما انضم الشهيد داؤود يحيى بولاد إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في عام 1991م.
وبعد تمرد الكتبتين صدرت الأوامر من قيادة القوات المُسلَّحة إلى الحامية (116) بجوبا للقيام بمهاجمة الكتيبة : (105) بور ، بقيادة كاربينو كوانين بول و الكتيبة : (104) ايود ، تحت قيادة وليم نيون بانج ، و ذلك بعد رصد الخرطوم لتحرُّكات الكتيبتين و إيقانها بنوايا من جانب الكتيبتين للثورة.
فبدأت المعارك بين الطرفين، و في 18 مايو 1983 قرَّرت القوات الثائرة و بوجود الدكتور/ جون قرنق ديمبيور الإنسحاب إلى منطقة بلفام Bilpam العسكرية على الحدود السودانية الإثيوبية و التي كانت مقراً لقوات الأنيانيا – 2.
وتحرَّكت كل القوة بالإضافة الى الطلاب والموظَّفين نحو منطقة بلفام.
وكان الرائد/ أروك طـون أروك، و النقيب/ سلفاكير ميارديت، اللَّذان كانا ضابطين فى الإستخبارات، قد إنضما إلى القوات المُنسحبة أيضاً. كانت تلك هي بداية ثورة التحرير و رؤية بناء السودان الجديد التى إنطلقت لإعتبارات وظروف موضوعية من جنوب السودان. وقد حُظيت رؤية السودان الجديد وأهداف الثورة بقبول وتأييد كبير في شمال االسودان، فكان المد الثورى الذى قاد بدوره إلى تمدَّد الجيش الشعبى شمالاً إلى جبال النوبة، الفونح، دارفور و شرق السودان.
بدأ وصول طلائع الجيش الشعبي إلى إقليم جبال النوبة بسريتين [سرية من كتيبة وولف ( battalion Wolf) وسرية من كتيبة سوباط تم إرسالهما لإختراق الجبال فى العام 1987 ومن أبناء النوبة.
كان فى قيادة سرية كتيبة وولف ملازم أول عوض الكريم كوكو تية، و ملازم أول يوسف كندة كوكو وملازم أول تلفون كوكو أبوجله، أما سرية سوباط فكانت بقيادة ملازم أول يوسف كرة هارون وقد إلتقى هؤلاء في الجبال بالملازم اول يونس أبو صدر منزول، وقد إقتصرت مهمتهم فى الإتصال بمناديب الحركة الشعبية للتعبئة و إستقطاب وتجنيد الشباب بالإضافة و تهيئة المناخ لإستقبال القوات القادمة من جنوب السودان. وقد نجحوا بالفعل فى إرسال ألف من الشباب للتدريب فى إثيوبيا كأول دفعه كان أغلبهم من المورو. و فى ليلة 27 يوليو من العام 1987 دخلت كتيبة البركان إلى جبال النوبة بقيادة يوسف كوة مكى عبر بحيرة الأبيض(جاو) مروراً بمنطقة طابولى وقامت بتشتيت قوات العدو في معركة الرملة، ومنها توجهّت إلى سرف الجاموس لتتمركز في أشرون كأول رئاسة للقائد يوسف كوة. خلال هذه الفترة تم إستقطاب عدد خمسة ألف من الشباب وإرسالهم فى شكل دُفعات للتدريب فى إثيوبيا و قد عادوا إلى الجبال بإسم قوات كوش فى مارس 1989 على دفعتين . الأولى كانت خمس كتائب بقيادة عبد العزيز آدم الحلو و لحق به القائد يوسف كوة مكى بالكتيبة السادسة. دخلت كتائب كوش إلى كرنقو عبد الله عبر فاما حيث إشتبكت مع قوات العدو وشتتها في فاما و تقدمت إلى كرنقو عبدالله و صدت ثلاثة متحركات حكومية و بعدها أقام يوسف كوة مكى رئاسته بجبال لمون، و قاد إسماعيل خميس جلاب كتيبة تقلى و أسس لوجود الجيش الشعبى بالجبال الغربية .
وفى العام 1991 دخل لواء إنتصار إلى الجبال و عزز موقف الجيش الشعبى أكثر فأكثر وخاصة عندما لحق القائد محمد جمعة نايل باسماعيل خميس جلاب مع قوة من لواء إنتصار. هكذا تمدّد الجيش الشعبى إلى جبال النوبة ليؤسس الجبهة الرابعة وقتها.
في نوفمبر 1985 وصلت أول قوة تابعة للجيش الجيش الشعبى من جنوب السودان إلى إقليم الفونج و هى كتيبة Eagle بقيادة القائد كاربينو كوانين بول ومالك عقار، وهو واحد من أبناء إقليم الفونج.
وعبرت كتيبة Eagle منطقتى الكرمك و ديم منصور الى أن وصلت جبال الأنقسنا وكانت المهمة الأساسية لقوات إيقل هى التعبئة و الإستقطاب و التجنيد.
وفى عبورها جبال الأنقسنا دارت معركة فى منطقة جام بالقرب من منطقة سودا بجبال الأنقسنا حيث تم أسر المقدم أبو العلا جمعة التابع للجيش النظامى فى تلك المعركة و الذى أصبح فيما بعد عضوا بالحركة الشعبية قبل عودته أخرى إلى حضن نظام الإنقاذ. بعد سماع الناس بإندلاع الثورة إنتظمت حملة الإستقطاب والتجنيد وسط تجاوب ملحوظ فى منطقة شالى الفيل ومنطقة الجندى و بليلة و ما حولها وجميعها مناطق واقعة فى مقاطعة الكرمك وكانت مناطق شبه مقفولة، و يرجع فضل التجاوب الكبير مع الثورة لشعور الناس ووعيهم بالظلم والتهميش الواقع عليهم آنذاك، فضلا عن تفشى ظاهرة الإضطهاد الثقافى والدينى كنتاج لمحاولات الأسلمة والتعريب بالقوة.
وفى مطلع العام 1986 وبعد الإتصال بقيادة الحركة الشعبية والإقتناع برؤية و أهداف الثورة تحركت مجموعة من (240) من أبناء النيل الأزرق أغلبها من إثنية الأدوك وعدد من أبناء المابان و أعلنت إنضمامها للحركة الشعبية وإنخراطها فى صفوف الجيش الشعبى.
وفور وصولها منطقة لانكوى تم فتح مركز للتدريب العسكرى وكان من أبناء النوبة ضمن تلك المجموعة القائد عزت كوكو أنجلو.
ومن لانكوى تم إرسال المجموعة لتلقى المزيد من التدريب العسكرى فى قاعدة بلفام العسكرية.
وبعد التخرج مباشرة ضمن لواء خازوق تم إرسال كتيبة نشاب إلى إقليم الفونج بقيادة ملازم ثانى بيتر كوما كوين جابر وملازم ثانى جوزيف توكا على وملازم ثانى من أبناء المابان وآخرين. إلتقت القوة بملازم أول جبريل كرمبا أومونق من أبناء جبال النوبة فى منطقة داجو الواقعة بين جبل أبو وقايا ويابوس.
أصبح جبريل كرمبا فيما بعد قائدا لكتيبة نشاب، فيما أصبح ملازم ثانى بيتر كوما لوين قائد ثانى الكتيبة.
خاضت كتيبة نشاب أول معركة لها ضد جيش النظام فى منطقة زنقلى بتاريخ 21 يناير 1987 تلتها معركة بابرس فى اليوم التالى حيث أصيب القائد جبريل كرمبا و تم أسر على خلفية رفضه للإنسحاب. بعد معركة بابرس إرتكزت قوات نشاب فى دوول ثم تقدمت لتخوض المعركة الثالثة فى منطقة شالى الفيل حتى وصلت إلى بنمايو و هاجمت قوات العدو و أجبرتها على الإنسحاب لكن ما لبث و أن أعادت تنظيم صفوفها و قامت بمهاجمة المدنيين وحرق بيوتهم و نهب مواشيهم فى كل من شالى الفيل، بى و الجندى.
مهد ثبات و إنجازات كتيبة نشاب الطريق لإنضمام مجموعات أخرى من أبناء الفونج ضمن كتيبة ناموس و New Funj و لواء تانا Tana Brigate ليتم تأسيس الجبهة الخامسة وقتها. و تمت ترقية مالك عقار أير إلى رتبة القائد بعد إنعقاد المؤتمر العام الأول فى شقدوم فى العام 1994 ليصبح حاكما لإقليم النيل الأزرق، و عضوا مناوبا فى القيادة العلياء للحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان.
كانت الحركة الشعبية قد تعرضت في مسيرتها للعديد من المصاعب، مثل انهيار النظام الأثيوبي، أقوى حلفاء الحركة، والخلافات والإنشقاقات مثل خلاف 1983 بقيادة قاي توت وأكوت أتيم وعبد الله شول الذي استمر حتى 1988م؛ هذا بالإضافة لانشقاق الناصر 1991م بقيادة د. رياك مشار ود. لام أكول، إلا أن الحركة، بالرغم من كل ذلك، عادت أقوى مما كانت.
وبمرور الزمن ومع تطور الصراع في السودان، تطورت الحركة الشعبية لتحرير السودان لتواكب المتغيرات الداخلية والخارجية.
وقد ظلت متمسكة بأهدافها ورؤيتها لتحقيق السودان الجديد في كل فترات النضال المسلح الي أن تم توقيع إتفاقية السلام الشامل في 9يناير 2005م. بعد توقيع إتفاقية السلام، بدأت مرحلة جديدة، إتجهت فيها الحركة الشعبية إلى ممارسة النشاط السياسي المدني.
واستمرت كذلك إلى أن تحولت الي حركة سياسية مدنية في المؤتمر العام الثاني الذي عقد في جوبا في مايو 2008م.
فى مايو 2011، و فى مُخالفة صريحة لبروتوكول الترتيبات الأمنية الذي نص على أن تبقى القوات المُشتركة المُدمجة (JIUs) حتى التاسع من أبريل 2012 في حال إنفصال الجنوب، أصدر الفريق/ عصمت عبد الرحمن رئيس هيئة أركان القوات المُسلَّحة السودانية (SAF) أوامره للفرقة (14) مُشاه المُتمركزة فى كادقلى بتجريد سلاح أفراد الجيش الشعبى بالقوات المُشتركة بجبال النوبة إبتداءً من يوم 1 يونيو 2011.
بتاريخ 6 يونيو 2011 دخلت قوات حكومية كبيرة قادمة من الخرطوم دعما لقوات النظام المتواجدة فى كادقلى ليستأنف نظام الخرطوم الحرب مُجدَّداً بمُهاجمة قواته لمنازل قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمدينة في محاولة لتصفيتهم و تجريد مقاتلى الجيش الشعبى فى الوحدات العسكرية المُدمجة من السلاح.
وأثناء ذلك قامت قوات الحكومة بقتل مئات المدنيين في كادقلى وتم دفنهم في مُقابر جماعية، فإضطرت قوات الجيش الشعبى لتحرير السودان ( الفرقة التاسعة ) التابعة لجبال النوبة الموجودة جنوب خط 1 يناير 1956 للتَّدخُّل لحماية المدنيين وبعد احتواء الجيش النظامى والمليشيات التابعة له، تمكن الجيش الشعبى من التوسع شرقا بتحرير مناطق واسعة فى العباسية و رشاد بتقلى ثم كاونيارو – ويرنى بابى جبيهة .
فى ليلة الثانى من سبتمبر 2011 شنَّت القوات المُسلَّحة السودانية هجوماً واسعاً على مناطق تمركز قوات الجيش الشعبى لتحرير السودان فى الوحدات المشتركة المدمجة (JIUs) داخل مدينة الدمازين حيث إضطَّر مُقاتلى الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال إلى الإنسحاب من المدينة خشية تعريض حياة المدنيين للخطر.
وقد قصفت القوات المُسلَّحة منازل قيادات الحركة الشعبية من شاغلى المناصب الدستورية و آخرين. و قامت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بعمليات مداهمة وإعتقالات واسعة شملت كل من أشتبه فى أنه موالٍ للحركة الشعبية أو حتى مُتعاطف معها.
كانت النواة الأولى للجيش الشعبى لتحرير السودان : الكتيبة (104) أيود – والكتيبة (105) بور.
وفي الحرب الثانية (الفرقة التاسعة) جبال النوبة، و (الفرقة العاشرة) – النيل الأزرق، وبعدها إنضم إلى الجيش الشعبى آلاف المقاتلين من كافة بقاع السودان للإنخراط فى حرب التحرير الثانية و خوض كفاح طويل الأمد من أجل بناء السودان الجديد.
+ There are no comments
Add yours