محمد عبدالله
mohammedabdalluh2000@gmail.com
في لحظة فارقة بين طي الألم وبين الأمل في مساءلة الجناة، أطلقت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في السودان نداءً عاجلاً إلى الضحايا والناجين والشهود، والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني، لتقديم إفاداتهم ومعلوماتهم الموثقة بشأن الانتهاكات الجسيمة التي وقعت منذ اندلاع النزاع المسلح في 15 أبريل 2023.
النداء ليس مجرد إجراء روتيني في دواليب العدالة الدولية، بل هو شق أول في طريق طويل نحو الحقيقة والمحاسبة، وإنه دعوة مفتوحة لكل من عاش العنف أو رآه أو وثقه، من داخل المدن المحترقة أو المعسكرات المكتظة أو المنافي البعيدة، ليكسر جدار الصمت، وليقول للتاريخ: “كنا هناك، ورأينا ما لا ينبغي أن يغتفر”.
البعثة، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان، تضع في صميم أولوياتها توثيق أشكال العنف الأكثر فظاعة التي مزقت جسد السودان .. من العنف الجنسي الممنهج، إلى الهجمات ذات الطابع العرقي، مروراً بالقصف العشوائي على المناطق المدنية، وتجنيد الأطفال، والاحتجاز في ظروف لاإنسانية، والنهب الواسع، ومنع وصول المساعدات، وصولًا إلى استهداف الصحفيين وعمال الإغاثة، وهذه التحقيقات ليست مجرد أرشفة للفظائع، بل تمهد الطريق لتقارير رسمية ستعرض على مجلس حقوق الإنسان، تمهيدًا لمحاكمة الجناة وفضح المؤسسات الضالعة في الجرائم.
إننا أمام لحظة لا يمكن تفويتها، فهذه البعثة هي واحدة من آليات دولية نادرة أُتيحت للسودانيين في هذه الحرب، لتعزيز حقهم في العدالة، وإنهاء سطوة الإفلات من العقاب التي طالما غطّت وجوه القتلة برداء رسمي أو ميليشياوي.
نعم، ليست العدالة سهلة .. ولكنها تبدأ بكلمة، بشهادة، بصورة، بملف يحمل رواية من عاش الألم .. ولهذا ادعو كل من يملك إفادة أو معلومة، من ضحايا وناجين وشهود عيان، إلى توثيق ما مروا به أو عرفوه من انتهاكات، وإرسالها عبر القنوات الآمنة المخصصة من قبل البعثة .. إن صمتنا قد يعني حرمان أجيال كاملة من معرفة الحقيقة، ومنع الضحايا من استرداد كرامتهم، وتعزيز مناخ الإفلات من العقاب.
على منظمات المجتمع المدني والنشطاء والمحامين والمراسلين، دور تاريخي لا يقل عن دور الضحايا أنفسهم .. فلنجمع الأدلة، ولنقدم الإفادات، ولنصر على أن تكون هذه الحرب، بما حملته من مآسي آخر فصل من فصول الإبادة والعنف المعمم في السودان.
إذا لم نكتب التاريخ، سيكتبه القتلة.
وإذا لم نشهد اليوم، سيطمس الغد.
إن العدالة لا تأتي وحدها .. بل تناديكم لتأتوا أنتم إليها.
+ There are no comments
Add yours